الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
مفاهيم يجب أن تصحح حول قوله صلى الله عليه وسلم :
( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله )
الشـــــيخ د. مشـــــــــهور فـــــــــواز - المحاضر في كلية الدعوة والعلوم الاسلامية
فهم بعض الناس من هذا الحديث أن الاسلام قد انتشر بالسيف وفرض بالقتال ، وإن هذا
الفهم يرده العقل والنقل .
فلو كان القتال وسيلة من وسائل دخول الناس في الإسلام ، لما عفا النبي صلى الله عليه
وسلم عن كفار قريش عند فتح مكة وهو القادر على الانتقام منهم يومذاك .
ثم إن هذا الفهم السطحي للحديث يتنافى مع أركان الدعوة الاسلامية كما بينتها النصوص
القرآنية والأحاديث النبوية وواقع السيرة النبوية ، فقد تضافرت النصوص التي تدل على
رقة قلبه وعظيم رحمته صلى الله عليه وسلم ، حيث يقول تعالى :
{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ، ( الأنبياء آية 17) .
ويقول صلى الله عليه وسلم :" إنما أنا رحمة مهداة" رواه الحاكم والطبراني .
وعندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً لقتال يهود خيبر ، قال :" أقاتلهم حتى يكونوا
مثلنا ؟ (يعني أرغمهم على الإسلام )، فقال له :" انفذ على رسلك حتى تنزل ساحتهم ، ثم
ادعهم الى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً
واحداً خير من أن يكون لك حُمْرُ النعم " رواه مسلم .
ثم إنه كيف يقال ذلك عن الاسلام ، ورب الاسلام يقول :{ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في
السلم كآفة}، ( البقرة : 208) .، ويقول أيضاً :{ وإن جنحوا للسلم فأجنح لها وتوكل
على الله } ، ( الانفال : 61) .
إذن ما المراد بقوله صلى الله عليه وسلم :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا :
لا إله إلاالله " ؟!
ليس المراد من الحديث ان القتال وسيلة من وسائل دخول الناس في الاسلام ، بل المراد أن الإسلام الذي يستدل عليه بالنطق بالشهادتين مانع من القتال ، لا أنه غاية أو هدف له .وإذا كانت بعض الجماعات الإسلامية تفهم من الحديث ان الإسلام قد انتشر بالسيف ، فإن هذا الفهم غير صحيح ، وفهمها لا يمثل الإسلام فالعقائد لا تغرس أبداً بالإكراه ، وذلك أمر معروف في تاريخ الرسالات.
قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :{ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ، ( الكهف ، آية 29) .
وقال تعالى :{ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } ، ( سورة يونس :99) .
وقال تعالى :{ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ} ، ( البقرة : 25) .
والنصوص والحوادث في ذلك كثيرة . وأين كان السيف في مكة عندما أسلم السابقون الأولون ؟ لقد كان موجوداً ولكن كان عليهم لا لهم ، وقد أثر عن عمر رضي الله عنه أن عجوزاً جاءته في حاجة ، فعرض عليها الإسلام فأبت ، وتركها عمر وخشي أن يكون في قوله- وهو أمير المؤمنين - إكراه لها ، فاتجه الى ربه ضارعاً معتذراً : اللهم أرشدت ولم أكره ، ثم تلا قوله تعالى :{ لا إكراه في الدين } .
فالجهاد من الكلمات التي أسيء استعمالها لعدم فهم معناها فهما صحيحا ، فالجهاد مأخوذ من الجَهْدِ وهو التعب أو الجُهد وهوالقوة ، فالمجاهد يبذل جُهداً يحس فيه بجهدٍ ، أي ببذل قوة يحس فيها بتعب ، ومعنى الجهاد: بذل الجهد لنيل مرغوب فيه أو دفع مرغوب عنه ، يعني لجلب نفع أو منع ضر ، وهو يكون بأية وسيلة ، وفي أي ميدان حسي أو معنوي ، ومنه جهاد النفس والشيطان وجهاد الفقر والجهل والمرض وجهاد الشر بدفع الصائل المعتدي على النفس أو المال أو العرض ، والميت في هذا الجهاد شهيد -كما صح في الحديث -.ولا يفهم من هذا أننا نهون من شأن الجهاد بمعناه العام ،فإنه ماضِ الى يوم القيامة في ميادينه الواسعة وبأساليبه المتعددة .
قال صلى الله عليه وسلم :" والجهاد ماض منذ بعثتي الله ، الى أن يقاتل آخر أمتي الدجال ، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل ".ولكن ليس معني ذلك أن حمل السلاح هو الوسيلة لنشر الدعوة ؟ وإنما مهمة حمل السلاح كانت لغرضين أساسيين: أولها - رد العدوان الواقع أو المنتظر (المتوقع ) ، والثاني- تأمين طريق الدعوة .
صحيفة صوت الحق والحرية