واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب .
كيف مس الشيطان نبي الله أيوب عليه السلام ، أجيب على هذا السؤال بما يلي : ولكي تكون الإجابة وافية جامعة مانعة ، ننتقل إلى بيت أيوب ، جئنا لزيارتك في بيتك ، أيوب جبل من جبال الصبر ، ظل مريضا 18 عاما ، لا يقوى على القيام من الأرض وكأن بينه وبين الأرض مغناطيسية شديدة الجذب ، وأنت مريض ، وقالت له زوجته ذات يوم : ألا تدعو الله تعالى أن يشفيك ؟ فيسألها أيوب : يا زوجتي ، كم سنة مضت علي وأنا صحيح الجسم ؟ فتقول له : 70 عاما ، فيقول لها : فكم سنة مضت علي وأنا مريض ؟ فتقول : 18 عاما ، فيقول لها : أستحي من الله أن أسأله الشفاء قبل أن يمر علي سبعون عاما وأنا مريض كما مر علي سبعون وأنا صحيح !! . لو كان البلاء في المال لهان الخطب ، والدنيا إذا حلت أوحلت ، وإذا كست أوكست ، وإذا أينعت نعت ، وإذا أوجفت جفت ، وكم من ملك رفعت له علامات ، لو كانت المسألة بلاء في المال لهان الخطب ،
بلاء أيوب كان في ثلاثة أشياء : في صحته فلزم الفراش ، وكان في ماله ففقد المال كله ، وكان في أولاده فماتت أولاده أجمعون .
ومع كل هذا وذاك كان يقول لرب العزة : اللهم ابتلني بما شئت في جسمي ، ولا تجعل البلاء يتسرب إلى لساني حتى أظل أقول : لا إله إلا الله !!
ومع ذلك جاءت له زوجته ذات يوم بكسرة من الخبز ليأكلها فسألها أيوب : من أين أتيت بهذا الخبز ؟ يسألها وهو الفقير الذي لا يملك من حطاب الدنيا شيئا بعد أن كان ذا مال وثراء ، ولكن فقره لم يمنعه أن يسأل عن مصدر رغيف من العيش ، أمن الحلال هو أم من الحرام ، فتقول له الصابرة زوجته : كنت عند الجيران ، وكان عندهم طفل طلب هذا الرغيف لكنه نام ونسي أن يأكله قبل أن ينام ، فقال لي أهل الغلام : خذي هذا الرغيف إلى أيوب فإن الطفل قد نام . فقال أيوب : ارجعي الرغيف إلى الطفل ، فربما قام من النوم فسأل عنه فلم يجده فيـحزن . ويضيق صدرها بقول أيوب : أأرجع برغيف عيش جاء من عند ناس برضاهم، أأرجع وماذا أقول لهم ، لكنها ينبغي عليها أن تلبي الأمر ، وترجع بالرغيف إلى أصحابه ، فيسألونها : لم رجعت به ، فقالت ما قال أيوب . فبينما هي تتكلم مع أصحاب الرغيف إذ استيقظ الغلام وسأل عن الرغيف وبكى فلما رآه كف عن البكاء . قالوا : يرحم الله تعالى أيــوب .
إن أحد الصالحين مات ، فرآه صاحبه في الممات بعد موته ، فقال له : ماذا فعل الله بك يا أخي ، فقال : سألني عن شيء لم يكن يخطر لي على بال ، قال : فعن أي شيء سألك ربك ، قال : بينما أنا في الدنيا أسير في طريق زراعي بين حقلين مزروعين بالقمح إذ رأيت سنبلة من القمح فرميتها في الحقل الذي على يميني ، فسألني عنها ربي لم رميتها في الحقل الذي على اليمين ، وما أدراك أنها ملك الذي على اليمين وليست ملك الذي على الشمال !!!
كانت رابعة وهي بنت ست ، جالسة مع أهلها فجاء الطعام ،فلم تأكل ، فسألها أبوها : يا رابعة ، ما ضر لو شاركتنا طعامنا ، فقالت يا أبت : لا آكل حتى أعرف أمن الحلال هو أم من الحرام ، فقال لها : عجبت لك يا رابعة ، وإذا كان من الحرام فلم نجد إلا هو ، فما عساك أن تكوني فاعلة ؟ فقالت الطفلة : يا أبتاه ، أصبر على جوع الدنيا خير من أصبر على عذاب النار يوم القيامة . ولقد كانت هذه وصية كل زوجة أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم . كانت الزوجة تقول لزوجها أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا فلان اتق الله ولا تأكل حراما !! إننا نستطيع أن نصبر على الجوع في الدنيا ، ولكن لا نصبر على عذاب الله تعالى يوم القيامة . فإذا عاد الزوج آخر يومه ، سألته سؤالين : السؤال الأول : كم نزل من القرآن الكريم ؟ والسؤال الثاني : كم حفظت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فإذا أخذ الرجل مضجعه لينام ، توضأت وهيأت له نفسها ، وبأدب تقول له : ألك حاجة إلي ، فإن لم تكن له حاجة فتقول له : أتأذن أن أقوم الليل فأصلي بين يدي الله رب العالمين !!!
فتعالوا إلى نساء العصر ، كيف يرهقن الأزواج من أمرهم عسرا ، وكيف تعير زوجها بالفقر إذا افتقر وبالمرض إذا مرض ، إذا شاب شعر المرء أو قل ماله فليس له في ودهن نصيب .
أما نبي الله أيوب ، الذي ضرب لنا أروع الأمثلة في الصبر على المرض ، والصبر على فقد المال والولد ، فإن يسأل ذات يوم : يا أيوب ، أي شيء كنت تشكو وأنت مريض ، فيقول النبي : كنت أشكو شيئا واحدا هو : شماتة الأعداء . يقول تعالى : وعزتي وجلالي لا أخرج عبدا من الدنيا ، وأحب أن أرحمه ، حتى أوفيه بكل سيئة كان يعملها ، سقما في جسده ، أو إقتارا في رزقه ، أو مصيبة في ماله أو ولده ، حتى أبلغ منه مثاقيل الذر ، فإذا بقيت له سيئة بعد ذلك شددت عليه سكرات الموت ، حتى يلقاني كيوم ولدته أمه .
ويقول تعالى : إذا ابتليت عبدي ببلاء في نفسه ، أو ماله أو ولده ، واستقبل ذلك بصبر جميل ، استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا ، أو أنشر له ديوانا ، وأدخله الجنة بغير حساب .
يقول تعالى لجبريل : ما جزاء عبدي إذا أخذت منه عينيه ، قال جبريل : الله أعلم ، قال تعالى : إذا فقد عبدي بصره ، لم أجد له جزاء إلا النظر إلى وجهي والجوار في دار رحمتي.
كيف مس الشيطان أيوب بنصب وعذاب ، نصب : تعب نفساني ، وعذاب ترتب على التعب النفسي . كان الشيطان يوسوس لأيوب من بعيد ، ويقول له : يا أيوب ، لو كنت نبيا حقا أكان ربك يبتليك بهذا البلاء ؟ إبليس يرسل ذبذباته ، وموجات إبليس عاملة طويلها وقصيرها ومتوسطها . فيجيبه أيوب بقوله : والله يا إبليس ، لو علمت النعمة التي أنعم الله بها علي لحسدتني عليها ، فما هي هذه النعمة ، إنها المملكة التي لخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن هذه النعمة هي المملكة التي تكاد تناطح السحاب ، وتزاحم الشمس في الجلال ، إنها المملكة العالية الرفيعة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النـاس . إنها مملكة الرضا ، وأمام الرضا تهون الدنيا ، ويهون البلاء ، وتزول الجبال ، ويطمئن القلب ، وتخشع النفس ، وتعز النفوس ، ويمد الإنسان يمده فيمسك بالسماء . إذا فمس الشيطان لأيوب لم يكن مسا بيد أو برجل ، وإنما كان مسا بالوساوس وكفى بها مصيبة .
( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم )
فقال أيوب وقتها حتى لا يشمت الشيطان فيه ، قال لله تعالى : مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، ولم يقل له : مسني الضر فاشكني ، استحى أن يسأل الله شيئا ، لم يقل له : طال بي الزمان وضاق الصدر ، أهذه معاملة تعامل بها أحد أنبيائك ، إنما بكل خلق رفيع : مسني الضر وأنت أرحم الراحمين . فماذا كان الجواب ، إنه طلب الشفاء من قيادة عليا أمرها بالكاف والنون . لم يقل له مولانا : يحول إلى مستشفى المعادي ، إنما قال له مولانا : " فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر " . الفاء والفاء ، لم يقل : ثم استجبنا ، ولم يقل : واستجبنا ، إنما قال : فاستجبنا ، فالفاء للتركيب والتعقيد ، والواو لمطلق الجمع ، وثم للترتيب والتراخي ، الواو تعطف على المعطوف عليه الأول ، وثم والفاء تعطفان على ما قبلهما مباشرة ، استجبنا فكشفنا ، فاء وفاء . لأن الله تعالى ليس في حاجة إلى أطباء يعالجون أيوب ، فإن الله هو الذي إذا مرضت فهو يشفين . قال : فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ، وضر هنا نكرة تفيد الشمول والشنوع ، أي كشفنا كل ما به من ضر . حتى المال والأولاد . فالله تعالى وهبه أولاده ومثل عددهم ، والله تعالى شفاه بطريقة تدعو إلى تنـزيه الله وقدرته . اسمعوا كيف شفى الله أيوب ، وهو الذي ظل ملازما للفراش 18 عاما .
( اركض برجلك ) لم يقل له اذهب إلى أحد المستشفيات ، ولم يقل له اذهب إلى طبيب في الروماتيزم . إن أيوب كان مصابا بآلام حادة في المفاصل ، إنما قال له : إن الدواء تحت رجـلك ، لا تكلف نفسك أن تمد يدك . حرك رجلك ، فحركها أيوب ، فنبعت عين ماء تحت رجله ، فقال الله تعالى : هذا مغتسل بارد وشراب ، اغتسل من هذا الماء حتى يزول الألم عن جسمك ، واشرب من هذا الماء ليزول الألم من داخل جوفك !!
كان الإمام عبد الله بن عباس بعدما فقد البصر : إن أذهب الله من عيني نورها ، ففي فؤادي وعقلي منهما نور ، عقلي ذكي وقلبي ما حوى دخلا ، وفي فمي صارم كالسيف.
إن أيوب حلف على زوجته وقد أرسلها لقضاء شيء فتأخرت ، فأقسم أيوب أن يضرب زوجته 100 عصا ، مريض والناس قد انفضوا من حوله ، فلا صديق ولا رفيق ، ولا جليس ولا أنيس ، وهذا حال الدنيا . وزوجته الصابرة ، التي صبرت 18 عاما ، ما قالت له أف ، وما أخرت له طلب ، ما أفشت له سرا ، ولا خالفت له سرا ، فماذا يدافع عنها جبار السماوات والأرض ، يقول لأيوب : ( وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث ) هات مئة من سيقان القمح ، واحزمها حزمة واحدة ، واضرب بهذه الحزمة زوجتك مرة واحدة ، فكأنك ضربت باليمين ، والذي يبيح لك هذا هو الذي حلفت به هو الله رب العالمين . لماذا كل هذا ، اسمع إلى تقرير علام الغيوب وهو يستخرج صحيفة أيوب فيقول : إنا وجدناه صابرا ، نعم العبد إنه أواب . وجاءت زوجة أيوب ، وكانت في قضاء حوائجها ، جاءت بعدما شفا الله أيوب بهذا الماء الذي اغتسل منه وشرب ، فرأت رجلا موفور الصحة ، تتألق علامات الرضا على وجهه ، ليس به مرض ولا كرب ، وكأنه لبس تاج الصحة ، وكأنه أعيد إلى زهرة الشباب ، فقالت زوجته لهذا الرجل : يا أخانا ، ألا تعلم أين ذهب أيوب الذي كان يجلس في هذا المكان ؟ سبحان الله . فقال لها : أنا أيـوب .
والله لو اصطلحنا مع الله تعالى ، لقال الله فينا : لفتحنا عليهم بركات من السماوات والأرض . إن مصر ابتليت بثلاث مصائب : المصيبة الأولى : سياسية ، والمصيبة الثانية : اقتصادية ، والمصيبة الثالثة : أخلاقية . سياسيا عندما أقامت الاتحاد الاشتراكي ، وأصيبت اقتصاديا عندما أصيبت في القطاع العام ، وأصيبت أخلاقيا عندما نادت بالصنم الذي يسمى الاشتراكية ، ومن هنا دارت الأمور في غير مسارها ، وأخذنا نفكر كيف نصلح ، وكلما عرضت مشكلة أمام المصلحين لم يجدوا لها حلا . مشاكل الحياة المختلفة ، يجتمعون ويحتسون أقداح الشاي والقهوة ، ثم ينفض الاجتماع إلى لا شيء ، وأصبح مثلنا في حل المشاكل كمثل أستاذ طلب من تلميذه أن يحل هذه المسألة في الحساب ، وها هي المسألة ، قطار به عشر عربات ، في كل عربة 50 راكبا ، والمطلوب : ما عمر سائق القطار ، وكم كيلومترا يقطع في الساعة الواحدة . لا صلة بين المسألة وبين مطلوبها .
هذه مشاكلنا لأننا لم نتعاون على البر والتقوى ، ليس في القلوب رحمة ، ولا رضا ، ولا توجيه إلى الله تعالى ، ولقد عجبنا لهذا الخبر : أحد الفلاحين في إحدى القرى تزوج بفتاة ، وبعد أن دخل بها بثلاثة أشهر ، شعرت بآلام في بطنها ، فلما ذهب بها إلى الطبيب ، قال له الطبيب : بم تسم المولود ؟ أي مولود هذا ...
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة القمر
الجانب الثالث من جوانب القصة ، جانب العبرة ، جانب الموعظة .
( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )
سورة من سور القرآن الكريم ، اشتملت على 6 قصص ، نوح وهود وصالح ولوط وموسى وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم . وبدأت السورة نفسها بخطاب وحديث عن سيد الأنبياء .
( اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر * وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر )
الساعة هي القيامة ، هل اقتربت ؟ نعم لأن خاتم الأنبياء قد بعث . فبعثة النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن الساعة قد اقتربت ، كيف ذلك ؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين ، وأشار بأصبعيه ، ثم قال : إن كادت لتسبقني ) يعني أوشكت الساعة أن تسبق بعثة الحبيب ، من شدة قربها ، إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم ، والشمس تودع الكون وتذهب إلى دورانها في فلكها ، أوشكت الشمس أن تغيب ، قال لأصحابه : ما بقي من دنياكم هذه إلا كما بقي من هذا النهار .
" أتى أمر الله فلا تستعجلوه " وأمر الله هو القيامة ، وكيف أتى ، مع أن الساعة لم تقم بعد ، الله سبحانه وتعالى عبر عن المستقبل بالماضي ، فلم يقل " سيأتي أمر الله " ولكن قال " أتى أمر الله " لأن وعد الله حق ، فكأنه قد أتى وتحقق ، والله لا يخلف الميعاد .
اجتمع أهل مكة حول الحبيب المصطفى ، وقالوا له : يا محمد ، إن كنت نبيا صدقا ورسولا حقا فأظهر لنا آية ، فقال الحبيب : فماذا تطلبون ؟ قالوا : نريد أن نرى القمر منشقا ليلة التمام . وجاءت ليلة التمام واكتمل البدر ، وسأل الحبيب ربه أن يريهم القمر منشقة ، فرأوا القمر منشقا نصفين ، فقالوا : لا نصدقك حتى نسأل المسافرين الذين سيأتون إلى مكة ، هل رأوا مثلما رأينا ، أم أنت سحرت عيوننا ؟ وجاء المسافرون القادمون إلى مكة ، والتقى الفريقان ، فريق مكة وفريق المسافرين ، وقبل أن يتكلم أهل مكة مع المسافرين قال لهم المسافرون : لقد رأينا عجبا ليلة كان القمر بدرا ، رأيناه منشقا نصفين ، أوما رأيتموه يا أهل مكة ؟ فقال أهل مكة : إن محمدا بلغ سحره السماء والأرض . هل سحر عيونكم كما سحر عيوننا ؟ إنها الكبرياء ،
" إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم "
" ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر ، حكمة بالغة فما تغني النذر ، فتول عنهم "
أعرض يا محمد عن هؤلاء المكذبين . اصفح الصفح الجميل ، واصبر الصبر الجميل ، هجرك جميل وصبرك جميل وصفحك جميل .
" يوم يدع الداع إلى شيء نكر "
شيء نكر ، شيء عجيب ، يذهل العقول والأبدان ، والداعي هو نافخ الصور ، هو إسرافيل ، ولذلك لما دخل الحسن البصري رضي الله عنه ، على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز – عليه سحائب الرحمة – قال له الأمير : عظني يا حسن .. صلة العالم بالأمير صلة الناصح ابتغاء رضاء الحاكم ، والحاكم يصغي ، كلنا سنموت والنفاق رخيص . العالم والأمير ، العالم ينصح والأمير يستجيب ، فقال له الحسن : يا أمير المؤمنين ، صم عن الدنيا وأفطر على الموت ، وأعد العدة لليلة سطحها يوم القيامة . ليلة لن يؤذن الفجر فيها ليلة تبدأ بالموت ، والقيامة قيامتان صغرى وكبرى ، تبدأ الصغرى بالموت ، وتنتهي الصغرى بالنفخ في الصور ، عندما يناد المنادي من مكان قريب ، أيتها العظام النخرة ، أيتها اللحوم المتناثرة ، قومي لفصل القضاء بين يدي الله رب العالمين ، إن هذه الليلة لا يؤذن فيها الفجر ، لأن الأذان قد انتهى ، والصلاة قد انتهت ، فمن صلى فقد صلى ، ومن لم يصل يحاول يوم القيامة أن يسجد لله سجدة واحدة ، فلا يطاوعه ذلك ، إنما يتصلب ظهره كأنه الحديد .
" يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون * خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وأنتم سالمون "
فات أوان السجود ، إن اليوم هو يوم القيامة ، لا صلاة ولا سجود . هؤلاء تعلوهم كآبة، والله الذي لا إله إلا هو لقد جاءتني يوم الأربعاء سيدة مسلمة تسأل ، تقول لزوجها : صل ، فقال لها : ولمن أصل ؟ قالت له : ألم تسمع قوله تعالى : " وأقيموا الصلاة " ؟ فقال لها : إن هذا القرآن لا أصدق أنه من عند الله .. وجاءت السيدة تسأل : أيحل لها أن تعاشره ؟ إنه مرتد عن دين الله تعالى ، القرآن يشك أنه من قبل الله تعالى ، الدليل على أنه من عند الله تعالى أن الله قال : " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " وأنه صدق كله ، ما كذب أبدا ، والدليل أيضا أنه أخبرنا عما سيحدث في المستقبل : " الم ، غلبت الروم ، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون " . والدليل أيضا أنه نزل على أمي لا يقرأ ولا يكتب ، ومع ذلك أخبره بالحقائق العلمية التي لم يكتشفها العالم إلا في القرن العشرين ،
" ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء "
والدليل أيضا أنه من عند الله تعالى أنه ذكر حقائق الجنين في بطون الأمهات ،
هل ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جامعات أوروبا ، هل علم النبي صلى الله عليه وسلم ما يجري في بطون الأمهات ، فالذي علمه هو علام الغيوب ، وحدوا الواحـد
الأمة في حاجة إلى تعليم كتاب ربهم ، حكامنا شغلونا عن الله تعالى ، شغلونا بالمسرحيات والمباريـات ، والأفلام ، والمسلسلات ، شغلوا الناس عن رب الناس ، شغلوا الناس عن ملك الناس ، شغلوا الناس عن إله الناس ، رجل مسلم يقول لزوجته : لمن أصل ؟؟؟ تصل للذي خلقك فسواك فعدلك ، تصل للذي في أي صورة ما شاء ركبك ، تصلي للذي من الطين خلقك فسواك ، وأجرى عليك رزقه فلا نسيك يوما ولم ينساك ، تصلي للذي خلقك من ماء مهين ، فجعله في قرار مكين ، إلى قدر معلوم ، فقد فنعم القادرون ، فنعم القادرون ، كفر بالله تعالى ، وحياتها معه حرام ، لأنه لا يجوز للكافر أن يتزوج بالمسلمة . وعليه أن يستتاب ، فإن تاب فبها ، وإن لم يتب فعلى حاكم المسلمين أن يقيم عليه حد الله تعالى . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه " .
يخرجون من الأجداث ، من القبور ، كأنهم جراد منتشر ، مهطعين إلى الداعي مسرعين إلى نداء المنادي ، يقول الكافرون هذا يوم عسر ..
ما مقدار هذا اليوم العسر ، ومتى يبدأ ومتى ينتهي . أما مقداره : " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة * فاصبر صبرا جميلا * إنهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا "
إن الأم تلقى ولدها في ساحة المحشر ، فتقول له يا بني : لقد كان بطني لك وعاء ، وكان حجري لك غطاء ، وكان ثديي لك سقاء ، أمعك حسنة يعود علي خيرها اليوم ؟ فيقول لها ولدها : يا أماه ، ليتني أستطيع ذلك ، إنني أشكو مما منه تشكين . ويلقى الولد والده ، فيقول يا أبتاه : لقد كنت بك برا ، وإليك محسنا ، وعليك مشفقا ، أمعك حسنة يعود علي خيرها اليوم ؟ فيقول له أبوه : يا بني ، ليتني أستطيع ذلك ، إنني أشكو مما منه تشكي
( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى )
مثقلة ، نفس مثقلة ، نفس في شهرها التاسع ، امرأة حاملة في شهرها التاسع ، تعاني من الحمل ما تعاني ، هل يستطيع أحد غيرها أن يحمل عنها حاملها ، هل تستطيع أنثى غيرها أن تحمل عنها حملها وتأخذ ما في بطنها ؟ كذلك القيامة .
( يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها )
هذا اليوم يبدأ من النفخة الأولى ، يموت العباد جميعا بعد النفخة الأولى ، تمضي أربعون عاما ، ثم ينفخ إسرافيل النفخة الثانية ، وتبدأ القيامة من النفخة الثانية ، وتستمر هذه اللحظة خمسين ألف سنة . تمر على العصاة ثقيلة ، عندما تأتي السماء بدخان مبين ، تشوى فيه رؤوس العصاة ، أما المؤمنون الصادقون فتمر عليهم الخمسون ألف سنة كأن أحدهم يصلي ركعتين لله رب العالمين ... وينتهي هذا اليوم بدخول أهل الجنة الجنة ، وبدخول أهل النار النار ، ينادي مناد بين الجنة والنار : يا أهل الجنة ، خلود بلا موت ، ويا أهل النار ، خلود بلا موت . اللهم اجعلها لنا جنة ونعـيما .
زاغت الأبصار ، وارتجفت القلوب ، أراني وكأني أسمع نداء الملك لمن الملك اليوم ؟؟ عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو ظلوا معك ما نفعوك ، ولم يبق لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا أموت ، لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار .